كيف أصبحنا جميعًا “متبرعين بالدماغ” للذكاء الاصطناعي دون أن ندري؟

كشفت طفرة الذكاء الاصطناعي الأخيرة عن حقيقة مقلقة ولكنها لا تُنكر أن كلماتنا ومنشوراتنا على مدار ثلاثة عقود من عمر الإنترنت قد أسهمت، دون قصد، في بناء الأساس المعرفي لروبوتات الدردشة والأنظمة البصرية للذكاء الاصطناعي في كل مكان. هذا ما سلّط عليه الضوء تقرير نشره موقع “أكسيوس” الأميركي مؤخراً تحت عنوان “كيف أصبحنا جميعًا متبرعين بالدماغ للذكاء الإصطناعي؟”.

فقد كشف تحليل جديد، نشره الموقع في 19 أبريل الحالي، لمجموعة بيانات عامة واسعة الاستخدام في تدريب الذكاء الاصطناعي، عن مدى اتساع نطاق هذا “الحصاد الرقمي” الذي يشمل خزانة النشر الويب الممتدة لثلاثين عاماً. فإذا كنت قد كتبت مدونة يوماً ما، أو أنشأت صفحة ويب، فمن المرجح جداً أن تكون كلماتك قد دخلت في “منهاج” تعليم روبوتات الدردشة، بينما أنت غافل تماماً عن هذا التوظيف.

ويرى باحثون أن هذه المشاركة اللفظية الهائلة لا تُثير فقط نقاشاً قانونياً حيوياً حول ما إذا كان يجب التعامل معها كـ”استخدام عادل” أم “سرقة” للمحتوى، بل وتستلزم أيضاً وقفة شخصية مع الملايين الذين أسست منشوراتهم عالم الإنترنت الحالي.

في هذا السياق، يقول الباحثون: “كنا نظن أننا نشارك قلوبنا وعقولنا، وبالطبع كنا كذلك. لكن دون أن ندرك، كنا ننشئ أيضاً قاعدة بيانات غير مكتملة ولكنها غنية للتعبير البشري”.ولم يكن إدراك هذا الواقع محصوراً على المحتوى النصي فقبل انطلاق برامج الدردشة اللفظية مثل ChatGPT، كان المبدعون في المجالات الفنية كالمصورين والرسامين والفنانين  هم أول من تصارع مع هذا الإدراك القاسي. فباتت أدوات الذكاء الاصطناعي المرئية، مثل Dall-E و Midjourney و Stable Diffusion، تستخدم أعمالهم الفنية لإنشاء نماذج جديدة.

اليوم، يواجه الموسيقيون الصراع نفسه، مع ظهور نُسخ مضاعفة أو أعمال مستوحاة من الذكاء الاصطناعي مقتبسة من إبداعاتهم الأصلية. وقد وجد فريق البحث أن مجموعة بيانات التدريب الواسعة تحتوي على أكثر من نصف مليون مدونة شخصية، وهو ما يمثل 3.8% من إجمالي “الرموز” (أجزاء اللغة المنفصلة) في البيانات. ومن الجدير بالذكر أن المنشورات على منصات التواصل الاجتماعي المملوكة، مثل فيسبوك وإنستغرام وتويتر، لا تظهر في هذه المجموعات، نظراً لأن هذه الشركات غالباً ما حافظت على حق الوصول لبياناتها لأنفسها. إن تعطش الذكاء الاصطناعي لبيانات التدريب يسلط الضوء على تاريخ الإنترنت الممتد على مدى 30 عاماً، والذي كان عبارة عن انفجار في التعبير والإنتاج. فلم يكن من الممكن أن تحدث اختراقات الذكاء الاصطناعي الحالية دون توافر هذه المخزونات الرقمية من المعلومات والأفكار والمشاعر التي دفعت الإنترنت الناس لإنتاجها. المفارقة هي أننا أنتجنا هذه المواد لبعضنا البعض، كبشر، وليس لتدريب كيان اصطناعي.

فقد كانت هذه “المجموعات” الضخمة من البيانات نتيجة مهمة للغاية، وغير مقصودة، لظهور الويب نفسه. ففي العام 1995 وما تلاه، احتفل الناس بظهور المتصفحات، ثم المدونات، ومواقع التواصل الاجتماعي، وخلال كل هذا، كان الإنترنت يمثل مادة سهلة التعلم للذكاء الاصطناعي.

وفي الختام يمكننا أن نقول بأن هذه النتيجة غير المقصودة هي الآن في صدارة تجربتنا عبر الإنترنت، لتذكرنا بأن كل ما نفعله الآن مع الذكاء الاصطناعي، ومن أجله، سيشكل بدوره المستقبل بطرق لا يمكننا التنبؤ بها.

Relatetd Post

Leave A Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *