اللغة العربية: هوية أمة وكنز معرفي يتجدد

في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، تحتفي شعوب العالم باليوم العالمي للغة العربية، إنه يوم لا يقتصر على الاحتفاء بكونها مجرد وسيلة للتواصل، بل هو تكريم لإرث حضاري عظيم، ولغة تحمل في طياتها تاريخاً غنياً، وعلماً وفيراً، وجمالاً فنياً لا يضاهى. إنها لغة الضاد، التي اختارها الله لتكون وعاءً لكلامه المعجز، ومفتاحاً لعلوم الأوائل والمتأخرين.

فاللغة العربية ليست حديثة العهد، بل هي لغة حية تعود جذورها إلى آلاف السنين، وقد شهدت تطوراً مذهلاً عبر العصور، لتصبح لغة العلم والمعرفة في العصور الذهبية للحضارة الإسلامية. فبها كتبت أعظم الكتب في الطب، والفلك، والرياضيات، والفلسفة، والأدب، وظلت منارة يهتدي بها طلاب العلم من شتى بقاع الأرض. هذه المكانة التاريخية لم تأتِ من فراغ، بل من غنى هذه اللغة ومرونتها وقدرتها على استيعاب المصطلحات الجديدة والتعبير عن أدق المعاني وأعمقها.

وما يميز اللغة العربية عن غيرها هو جمالها الصوتي، وبلاغتها العالية، وقدرتها الفائقة على التعبير. إنها لغة الشعر والنثر، لغة تمتلك ثروة لفظية هائلة وتراكيب نحوية وصرفية تمنحها مرونة لا مثيل لها في التعبير عن المشاعر والأفكار المعقدة بأوجز العبارات وأبلغها. “لغة الضاد” ليس مجرد لقب، بل هو إشارة إلى تفردها ببعض الأصوات التي لا توجد في لغات أخرى، مما يضفي عليها طابعاً فريداً ومميزاً.

وفي ظل التحديات المعاصرة، ومع طغيان اللغات الأجنبية وهيمنة العصر الرقمي، تواجه اللغة العربية تحديات كبيرة. يبرز دورنا كأفراد ومؤسسات في الحفاظ عليها وتنميتها. لا يقتصر ذلك على التحدث بها وكتابتها فحسب، بل يمتد إلى تشجيع البحث العلمي فيها، وتطوير أساليب تدريسها، واستخدامها الفعال في المحتوى الرقمي والإعلامي. يجب أن نرسخ في الأجيال الجديدة حب لغتهم الأم والاعتزاز بها، فهي جزء لا يتجزأ من هويتهم الثقافية والدينية.

فاليوم العالمي للغة العربية هو دعوة لتأمل مكانة هذه اللغة في عالمنا المعاصر. إنها ليست فقط لغة مليار ونصف المليار مسلم يتلون بها القرآن الكريم، بل هي أيضاً لغة الفن والأدب والفكر التي تجمع بين شعوب متعددة وتساهم في إثراء الحوار الثقافي العالمي. الحفاظ عليها هو حفاظ على جزء هام من التنوع الثقافي العالمي، وعلى ذاكرة جمعية تحمل في طياتها إبداعات أجيال مضت وستلهم أجيالاً قادمة.

فلنكن جميعاً حماة للغتنا، ولنعمل على أن تظل اللغة العربية منارة للعلم والمعرفة، وجسراً للتواصل الحضاري، ورمزاً للهوية العربية والإسلامية التي نفخر بها. كل عام ولغتنا بألف خير.

Relatetd Post

Leave A Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *